الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
: هذه الدار بالجسر الأعظم على بركة الفيل أنشأها الأمير أرغون الكامليّ في سنة سبع وأربعين وسبعمائة وأدخل فيها من أرض بركة الفيل عشرين ذراعًا. أرغون الكاملي: الأمير سيف الدين نائب حلب ودمشق تبناه الملك الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاوون وزوّجه أخته من أمّه بنت الأمير أرغون العلاءي في سنة خمس وأربعين وسبعمائة. وكان يُعرف أوّلًا بأرغون الصغير فلما مات الملك الصالح وقام من بعده في مملكة مصر أخوه الملك الكامل شعبان بن محمد بن قلاوون أعطاه أُمرة مائة وتقدمة ألف ونُهي أن يُدعى أرغون الصغير وتسمّى أرغون الكاملي. فلمّا مات الأمير قطليجا الحمويّ في نيابة حلب رسم له الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون بنيابة حلب فوصل إليها يوم الثلاثاء حادي عشر شهر رجب سنة خمسين وسبعمائة وعمل النيابة بها على أحسن ما يكون من الحرمة والمهابة وهابه التركمان والعرب ومشت الأحوال به. ثم جرت له فتنة مع أمراء حلب فخرج في نفر يسير إلى دمشق فوصلها لثلاث بقين من ذي الحجة سنة إحدى وخمسين فكرمه الأمير ايتمش الناصريّ نائب دمشق وجهّزه إلى مصر فأنم عليه السلطان وأعاده إلى نيابة حلب فأقام بها إلى أن عُزل ايتمش من نيابة دمشق في أوّل سلطنة الملك الصالح صالح بن قلاون فنُقل من نايبة حلب إلى نيابة دمشق فدخلها في حادي عشري شعبان سنة اثنتين وخمسين وأقام بها فلم يصف له بها عيش فاستعفى فلم يُجَبّ وما زال بها إلى أن خرج يلبغاروس وحضر إلى دمشق فخرج إلى اللّد واستولى يلبغاروس على دمشق. فلما خرج الملك الصالح من مصر وسار إلى بلاد الشام بسبب حركة يلبغارويس تلقّاه أرغون وسار بالعساكر إلى دمشق ودخل السلطان بعده وقد فرّ يلبغاروس فقلّده نيابة حلب في خامس عشري شهر رمضان. وعاد السلطان إلى مصر فلم يزل الأمير أرغون بحلب وخرج منها إلى الأبلستين في طلب ابن دلغادر وحرقها وحرق قراها ودخل إلى قيصرية وعاد إلى حلب في رجب سنة أربع وخمسين. فلما خلع الملك الصالح بأخيه الملك الناصر حسن في شوال سنة خمس وخمسين طلب الأمير أرغون من حلب في آخر شوذال فحضر إلى مصر وعمل أمير مائة مقدّم ألف إلى تاسع صفر سنة ست وخمسين فأُمسك وحُمل إلى الإسكندرية اعتُقل فيها وعنده زوجته. ثم نقل من الإسكندرية إلى القدس فأقام بها بطالًا وبنى هناك تربة ومات بها يوم الخميس لخمس بقين من شوّال سنة ثمان وخمسين وسبعمائة. دار طاز: هذه الدار بجوار المدرسة البندقدارية تجاه حمام الفارقاني على يمنة من سلك من الصليبة يريد حدرة البقر وباب زويلة أنشأها الأمير سيف الدين طاز في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة وكان موضعها عدّة مساكن هدمها برضى أربابها وبغير رضاهم وتولى الأمير منجك عمارتها وصار يقف عليها بنفسه حتى كملت فجاءت قصرًا مشيدًا واصطبلًا كبيرًا وهي باقية لى يومنا هذا يسكنها الأمراء. وفي يوم السبت سابع عشري جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين عمل الأمير طاز في هذه الدار وليمة عظيمة حضرها السلطان الملك الصالح صالح وجميع الأمراء فلما كان وقت انصرافهم قدّم الأمير طاز للسلطان أربعة أفراس بسروج ذهب وكنابيش ذهب وقدّم للأمير سنجر فرسين كذلك وللأمير صرغتمش فرسين ولكل واحد من أمراء الألوف فرسًا كذلك ولم يعهد قبل هذا أن أحدًا من ملوك الأتراك نزل إلى بيت أمير قبل الصالح هذا وكان يومًا مذكورًا. طاز: الأمير سيف الدين أمير مجلس اشتهر ذكره في أيام الملك الصالح إسماعيل ولم يزل أميرًا أن خُلع الملك الكامل شعبان وأُقيم المظفر حاجي وهو أحد الأمراء الستة أرباب الحل والعقد فلما خُلع الملك المظفر وأقيم الملك الناصر حسن زادت وجاهته وحرمته وهو الذي أمسك الأمير يلبغاروس في طريق الحجاز وأمسك أيضًا الملك المجاهد سيف الإسلام عليّ ابن المؤيد صاحب بلاد اليمن بمكة وأحضره إلى مصر وهو الذي قام في نوبة السلطان حسن لما خُلع وأُجلس الملك الصالح صالح على كرسيّ الملك وكان يلبس في درب الحجاز عباءة وسرقولًا ويخفي نفسه ليتجسس على أخبار يلبغاروس ولم يزل على حاله إلى ثاني شوّال سنة خمس وخمسين وسسبعمائة فخلع الصالح وأُعيد الناصر حسن فأخرج طاز إلى نيابة حلب وأقام بها. دار صرغتمش: هذه الدار بخط بئر الوطاويط بالقرب من المدرسة الصرغتمشية المجاورة لجامع أحمد بن طولون من شارع الصليبية كان موضعها مساكن فاشتراها الأمير صرغتمش وبناها قصرًا واصطبلًا في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة وحمل إليها الوزراء والتاب والأعيان من الرخام وغيره شيئًا كثيرًا وقد ذكر التعريف به عند ذكر المدرسة الصرغتمشية من هذا الكتاب في ذكر المدارس وهذه الدار عامرة إلى يومنا هذا يسكنها الأمراء ووقع الهدمفي القصر خاصة في شهر ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وثمانمائة. دار الماس: هذه الدار بخط حوض ابن هنس فيما بينه وبين حجرة البقر بجوار جامع الماس أنشأها الأمير الماس الحاجب واعتنى برخامها عناية كبيرة واستدعى بها من البلاد فلما قتل في صفر سنة أربع وثلاثين وسبعمائة أمر السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون بقلع ما في هذه الدار من الرخام فقلع جميعه ونقل إلى القلعة وهذه الدار باقية إلى يومنا هذا ينزلها الأمراء. دار بهادر المقدم: هذه الدار بخط الباطلية من القاهرة أنشأها الأمير الطواشي سيف الدين بهادر مقدّم المماليك السلطانية في أيام الملك الظاهر برقوق. وبهادر هذا من مماليك الأمير يبلغا وأقام في تقدمة المماليك جميع الأيام الظاهرية وكَثُرَ ماله وطال عمره حتى هرم ومات في أيام الملك الناصر فرج وهو على أمرته وفي وظيفته تقدمة وموضع هذه الدار من جملة ما كان احترق من الباطلية في أيام الملك الظاهر بيبرس كما تقدّم في ذكر حارة الباطلية عند ذكر الحارات من هذا الكتاب ولما مات المقدّم بهادر استقرّت من بعده منزلًا لأمراء الدولة وهي باقية على ذلك إلى يومنا هذا. دار الست شقراء: هذه الدار من جملة حارة كتامة وهي اليوم بالقرب من مدرسة الوزير الصاحب كريم الدين ابن غنام بجوار حمام كراي وهي من الدور الجليلة عرفت بخوند الست شقراء ابنة السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون وتزوّجها الأمير روس ثم أنحط قدرها واتضعت في نفسها إلى أن ماتت في يوم الثلاثاء ثامن عشري جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. دار ابن عنان: هذه الدار بخط الجامع الأزهر أنشأها نور الدين عليّ بن عنان التاجر بقيسارية جهاركس من القاهرة وتاجر الخاص الشريف السلطانيّ في أيام الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون كان ذا ثروة ونعمةٍ كبيرة ومال متسع فلما زالت دولة الأشرف أجمع وداخله وهم أظهر فاقة وتذكّر أنه دفن مبلغًا كبيرًا من الألف مثقال ذهب في هذه الدار ولم يعلم به أحد سوى زوجته أمّ أولاده فاتفق أنه مرض وخرس ومرضت زوجته أيضًا فمات يوم الجمعة ثامن عشر شوّال سنة تسع وثمانين وسبعمائة وماتت زوجته أيضًا فأسف أولاده على فقد ماله وحفروا مواضع من هذه الدار فلم يظفروا بشيء البتة وأقامت مدّة بأيديهم وهي من وقف أبيهم ومات ولده شمس الدين محمد بن علي بن عنان يوم السبت تاسع صفر سنة ثلاث وثمانمائة ثم باعوها سنة سبع عشرة وثمانمائة كما بيع غيرها من الأوقاف. دار بهادر الأعسر: هذه الدار بخط بين السورين فيما بين سويقة المسودي من القاهرة وبين الخليج الكبير الذي يعرف اليوم بخليج اللؤلؤة كان مكانها من جملة دار الذهب التي تقدّم ذكرها في ذكر مناظر الخلفاء من هذا الكتاب وإلى يومنا هذا بجوار هذه الدار قبو فيما بينها وبين الخليج يُعرف بقبو الذهب من جملة أقباء دار الذهب ويمرّ الناس من تحت هذا القبو. بهادر هذا: هو الأمير سيف الدين بهادر الأعسر اليحياوي كان مشرفًا بمطبخ الأمير سيف الدين فجا الأمير شكار ثم صار زردكاش الأمير الكبير يلبغا الخاصكي وولي بعد ذلك مهنمدار السلطان بدار الضيافة وولي وظيفة شدّ الدواوين إلى أن قدم الأمير يلبغا الناصري نائب حلب بعساكر الشام إلى مصر وأزال دولة الملك الظاهر برقوق في جمادى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة قبض عليه ونفاه من القاهرة إلى غزة ثم عاد بعد ذلك إلى القاهرة وأقام بها إلى أن مات بهذه الدار في يوم عيد الفطر سنة ثمان وتسعين وسبعمائة وحصرت تركته وكان فيها عدّة كتب في أنواع من العلوم وهذه الدار باقية إلى يومنا هذا وعلى بابها بئر بجانبها حوض يُملأ لشرب الدواب منه. دار ابن رجب: هذه الدار من جملة أراضي البستان الذي يقول له اليوم الكافوري كان إصطبلًا للأمير علاء الدين عليّ بن كلفت التركمانيّ شادّ الدواوين فيما بين داره ودار الأمير تنكز نائب الشام. فلما استقر ناصر الدين محمد بن رجب في الوزارة أنشأ هذا الإصطبل مقعدًا صار يجلس فيه وقصرًا كبيرًا واستولى من بعده على ذلك كله أولاده فلما عمر الأمير جمال الدين يوسف الأستادار مدرسته بخط رحبة باب العيد أخذ هذا القصر والإصطبل في جملة من أخد من أملاك الناس وأوقافهم. فلما قتله الملك الناصر فرج واستولى على جميع ما خلفه أفرد هذا القصر والإصطبل فيما أفرده للمدرسة المذكورة فلم يزل من جملة أوقافها إلى أن قتل الملك الناصر فرج وقدم الأمير شيخ نائب الشام إلى مصر فلما جلس على تخت الملك وتلقب بالملك المؤيد في غرّة شعبان سنة خمس عشرة وثمانمائة وقف إليه من بقي من أولاد علاء الدين عليّ بن كلفت وهما امرأتان كانت إحداهما تحت الملك المؤيد قبل أن يلي نيابة طرابلس وهو من جملة أمراء مصرفي أيام الملك الظاهر برقوق وذكرتا أن الأمير جمال الدين الاستادار أخد وقف أبيهما بغير حق وأخرجتا كتاب وقف أبيهما ففوّض أمر ذلك لقاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير البلقينيّ الشافعيّ فلم يجد بيد أولاد جمال الدين مستندًا فقضى بهذا المكان لورثة ابن كلفت وبقائه على ما وقفه حسبما تضمنه كتاب وقفه فتسلم مستحقوا وقف بن كلفت القصر والاصطبل وهو الآن بأيديهم وبينهم وبين أولاد ابن رجب نزاع في القصر فقط. محمد بن رجب: ابن محمد بن كلفت الأمير الوزير ناصر الدين نشأ بالقاهرة على طريقة مشكورة فلما استقرّ ناصر الدين محمد بن الحسام الصفدي شادّ الدواوين بعد انتقال الأمير جمال الدين محمود بن عليّ من شدّ الدواوين إلى استادارية السلطان في يوم الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة سنة تسعين وسبعمائة اقام ابن رجب هذا استادارًا عند الأمير سودون باق وكانت أوَل مباشراته ثم ولي شدّ الدواوين بعد الأمير ناصر الدين محمد بن اقبغا آص في سابع عشري ذي الحجة وعوّض في شدّ الدواوين بشد دواليب الخاص عوضًا عن خاله الأمير ناصر الدين محمد بن الحسام عند انتقاله إلى الوزارة فلم يزل إلى أن تَوَجَّه الملك الظاهر برقوق إلى الشام وأقام الأمير محمود الاستادار فقدم عليه ابن رجب بكتاب السلطان وهو مختوم فإذا فيه أن يقبض على ابن رجب ويلزمه بحمل مبلغ مائة وستين ألف درهم نقرة فقبض عليه في رابع شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وأخذ منه مبلغ سبعين ألف درهم نقرة. فلما كان يوم الإثنين رابع عشر ربيع الآخر سنة ست وتسعين صرف السلطان عن الوزارة الصاحب موفق الدين أبا الفرج واستقرّ بابن رجب في منصب الوزارة وخلع عليه فلم يغير زيّ الأمراء وباشر الوزارة على قالب ضخم وناموس مهاب وصار أميرًا وزيرًا مدبرًا لممالك وسلك سيرة خاله الوزير ناصر الدين محمد بن الحسام في استخدام كل من باشر الوزارة فأقام الصاحب سعد الدين بن نصر الله ابن البقريّ ناظر الدولة والصاحب كريم الدين عبد الكريم بن الغنام ناظر البيوت والصاحب علم الدين عبد الوهاب سن إبرة مستوفي الدولة والصاحب تاج الدين عبد الرحيم بن أبي شاكر رفيقًا له في استيفاء الدولة وأنعم عليه بإمرة عشرين فارسًا في سادس شهر ربيع الآخر سنة سبع وتسعين فلم يزل على ذلك إلى أن مات من مرض طويل في يوم الجمعة لأربع بقين من صفر سنة ثمان وتسعين وسبعمائة وهو وزير من غير نكبة فكانت جنازته من الجنائز المذكورة وقد ذكرته في كتاب در العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة. دار القليجي: هذه الدار من جملة خط قصر بشتاك كانت أوّلً من بعض دور القصر الكبير الشرقيّ الذي تقدم ذكره عند ذكر قصور الخلفاء ثم عرفت بدار حمال الكفاة وهو القاضي جمال الدين إبراهيم المعروف بحمال الكفاة ابن خالة النشو ناظر الخاص كان أوّلًا من جملة الكتاب النصارى فأسلم وخدم في بستان الملك الناصر محمد بن قلاوون الذي كان ميدانًا للملك الظاهر بيبرس بأرض اللوق ثم خدم في دوان الأمير بيدمر البدريّ فلما عرض السلطان دواوين الأمراء واختار منهم جماعة كان من جملة من اختاره السلطان حمال الكفاة هذا فجعله مستوفيًا إلى أن كان المهذب كاتب الأمير بكتمر الساقي فولاه السلطان مكانه في ديوان الأمير بكتمر فخدمه إلى أن مات فخد بديوان الأمير بشتاك إلى أن قبض الملك الناصر على النشو ناظر الخاص ولاّه وظيفة نظر الخاص بعد النشو ثم أضاف إليه وظيفة نظر الجيش بعد المكين بن قزوينة عند غضبه عليه ومصادره فباشر الوظسفتين لىأن مات الملك الناصر فاستمرّ في أيام الملك المنصور أبي بكر والملك الأشرف كجك والملك الناصر أ مد فلما وليّ الملك الصالح إسماعيل جعله مشير الدولة مع ما بيده من نظر الخاص والجيش وكان الوزير إذ ذاك الأمير نجم الدين محمود وزير بغداد وكتب له توقيع باستقراره في وظيفة الإشارة فعظم أمره وكَثُرَ حساده إلى أن قبض عليه وضرب المقارع وخُنق ليلة الأحد سادس شهر بيع الأوّل سنة خمس وأربعين وسبعمائة ودفن بجوار زاوية ابن عبود من القرافة وكانت مدّة نظر في الخاص خمس سنين وشهرين تنقض أيامًا وكان مليح الوجه حسن العبارة كثير التصرّف ذكيًا يعرف باللسان التركيّ ويتكلم به ويعرف باللسان النوبيّ والتكروري. لم تزل هذه الدار بغير تكملة إلى أن ترأس القاضي شمس الدين محمد بن أحمد القليجيّ الحنفي كان أولًا يكتب على مبيضة الغزل وهي يومئذ مضمنة لديوان السلطان ثم اتصل بقاضي القضاة سراج الدين عمر بن إسحاق الهندي وخدمه فرفع من شأنه واستبانه في الحكم فعيب ذلك على الهندي وقال فيه شمس الدين محمد بن محمد الصائغ الحنفي: ولمّا رأينا كاتبّ المكسِ قاضيًا علمنا بأنّ الدهرّ عادٍ إلى ورا فقلتُ لصحبي ليسَ هذا تعجبًا وهل يجلب الهنديُّ شيئًا سوى الخرا وولي افتاء دار العلم وناب عن القضاة في الحكم بعد مباشرة توقيع الحكم عدّة سنين فعظم ذكره وبعد صيته وصار يوسط بين القضاة والأمراء في حوائجهم ويخدم أهل الدولة فيما يعنّ لم من الأمور الشرعية فصار كثير من أمور القضاة لا يقوم به غيره حتى لقد كان شيخنا الأستاذ قاضي القضاة ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون يسميه دريد بن الصمة يعني أنه صاحب رأي القضاة كما أن دريد ابن الصمة كان صاحب رأي هوازن يوم حنين نسرّه بذلك فلما فخم أمره أخذ هذه الدار وقد تم بناء جدرانها فرخّمها وبيضها فجاءت في أعظم قالب وأحسن هندام وأبهج زيّ وسكنها إلى أن مات يوم الثلاثاء لعشرين من شهر رجب سنة سبع وتسعين وسبعمائة بعدما وقفها فاستمرّت في يد أولاده مدّة إلى أن أخذها الأمير جمال دار بهادر المعزي: هذه الدار بدرب راشد المجاور لخزانة البنود من القاهرة عمرها الأمير سيف الدين بهادر المعزي كان أصله من أولاد مدينة حلب من أبناء التركمان واشتراه الملك المنصور لاجين قبل أن يلي سلطنة مصر وهو في نيابة السلطنة بدمشق فترقى حتى صار أحد أمراء الألوف إلى أن مات في يوم الجمعة تاسع شعبان سنة تسع وثلاثين وسبعمائة عن ابنتين إحداهما تحت الأمير أسدمر المعزي والأخرى تحت مملوكه اقتمر وترك مالًا كثيرًا منه ثلاث عشر ألف دينار وستمائة ألف درهم نقرة وأربعمائة فرس وثلثمائة جمل ومبلغ خمسين ألف اردب غلة وثمان حوايص ذهب وثلاث كلوتات زركش واثني عشر طراز زركش وعقارًا كثيرًا فأخذ السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون جميع ما خلفه وكان جميل الصورة معروفًا بالفروسية ورمى في القبق النشاب بيمينه ويساره ولعب الرمح لعبًا جيدًا وكان لين الجانب حلو الكلام جميل العشرة إلاّ أنه كان مقتّرًا على نفسه في مأكله وسائر أحوال لكثرة شحه بحيث أنه اعتقل مرّة فجمع من راتبه الذي كان يجرى عليه وهو في السجن مبلغ اثني عشر ألف درهم نقرة أخرجها معه من الاعتقال. دار طينال: هذه الدار بخط الخرّاطين في داخل الدرب الذي كان يعرف بخربة صالح كان موضعها وما حولها في الدولة الفاطمية مارستانًا وأنشأ هذه الدار الأمير طينال أحد مماليك الناصر محمد بن قلاوون أقامه ساقيًا ثم عمله حاجبًا صغيرًا ثم أعطاه أمرة دكتمر وجعله أمير مائة مقدّم ألف فباشر ذلك مدّة ثم أخرجه لنيابة طرابلس. فأقام بها زمانًا ثم نقله إلى نيابة صفد فمات بها في ثالث شهر ربيع سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة وكان تتريّ الجنس قصيرًا إلى الغاية مليح الوجه مشكورًا في أحكامه محبًا لجمع المال شحيحًا وهذه الدار تشتمل على قائمتين متجاورتين وهي من الدور الجليلة ولطينال أيضًا قيساوية بسويقة أمير الجيوش. دار الهرماس: هذه الدار كانت بجوار الجامع الحاكمي من قِبلية شارعة في رحبة الجامع على يسرة من يمرّ إلى باب النصر عمرها الشيخ قطب الدين محمد بن المقدسي المعروف بالهرماس وسكنها مدّة وكان أثيرًا عند السلطان الملك الناصر الحسن بن محمد بن قلاوون له فيه اعتقاد كبير فعظم عند الناس قدره واشتره فيما بينهم ذكره إلى أن دبت بينه وبين الشيخ شمس الدين محمد بن النقاش عقارب الحسد فسعى به عند السلطان إلى أن تغير عليه وأبعده ثم ركب في يوم سنة إحدى وستين وسبعمائة من قلعة الجبل بعساكره إبى باب زويلة فعندما وصل إليه ترجل الأمراء كلم عن خيولهم ودخلوا مشاة من باب زويلة كما هي العادة وصار السلطان راكبًا بمفرده وابن النقاش أيضًا راكب بجانبه وسائر الأمراء والمماليك مشاة في ركابه على ترتيبهم إلى أن وصل السلطان إلى المارستان المنصوري بين القصرين فنزل إليه ودخل القبة وزار قبر أبيه وجدّه وإخوته وجلس وقد حضر هناك مشايخ العمل والقضاة فتذاكروا بين يديه مسائل علمية ثم قام إلى النظر في أمور المرضى بالمارستان فدار عليهم حتى انتهى غرضه من ذلك وخرج فركب وسار نحو باب النصر والناس مشاة في ركابه إلاّ ابن النقاش فإنه راكب بجانبه إلى أن وصل إلى رحبة الجامع الحاكمي فوقف تجاه دار الهرماس وأمر بهدمها فهدمت وهو واقف وقبض على الهرماس وابنه وضرب بالمقارع عدّة شيوب ونفي من القاهرة إلى مصياف. فقال الإمام العلامة شمس الدين محمد بن الرحمن بن الصائغ الحنفي في ذلك: قد ذاقَ هرماسُ الخسارة من بعد عزٍ وجسارةْ حَسَبَ البهتانَ يبقى أخرب اللهُ ديارهُ فلما قُتل السلطان في سنة اثنين وستين عاد الهرماس إلى القاهرة وأعاد بعض داره فلما كانت سنة ثمانين وسبعمائة صارت هذه الدار إلى الأمير جمال الدين عبد الله بن بكتمر الحاجب فأنشأها قاعة وعدّة حوانيت وربعًا علوّ ذلك وانتقل من بعده إلى أولاده وهو بأيدم إلى اليوم. دار أوحد الدين: هذه الدار بداخل درب السلامي في رحبة باب العيد مقابل قصر الشوك ولى جانب المارسان العتيق الصلاحيّ كان موضعها من حقوق القصر الكبير وصار أخيرًا طاحونًا فهدمها القاضي أوحد عبد الواحد أيام كان يباشر توقيع الأمير الكبير برقوق بعد سنة ثمانين وسبعمائة فلما حفر أساس هذه الدار ووجد فيه هيئة قبة معقودة من لبن وفي داخلها إنسان ميت قد بليت أكفانه وصار عظيمًا نخرًا وهو في غاية طول القامة يكون قدر خمسة أذرع وعظام ساقي خلاف ما عهد من الكبر ودماغه عظيم جدًا فلما كملت هذه الدار سكنها أيام مباشرته وظيفة كتابة السر إلى أن مات بها وقد حبسها على أولاده فاستمرت بأيديهم إلى أن أخذها منهم الأمير جمال الدين يوسف الاستادار كما أخذ غيرها من الأوقاف فاستمرّت في جملة ما بيده إلى أن قتله الملك الناصر فرج فقبضها فيما قبض مما خلف جمال الدين فلما قتل الملك الناصر فرج واستقل الملك المؤيد شيخ بمملكة مصر استرجع أولاد جمال الدين ما كان أخذه الناصر من أملاك جمال الدين وصارت بأيديهم إلى أن وقف له أولاد أوحد الدين في طلب دار أبيهم فعقد لذلك مجلس اجتمع فيه القضاة فتبين أن الحق بيد أولاد أوحد الدين فقُضي بإعادة الدار إلى ما وقفها عليه أوحد الدين فتسلمها أولاد أوحد الدين من ورثة جمال الدين وهي الآن بأيديهم. عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين الحنفيّ: أوحد الدين كاتب السر ولد بالقاهرة ونشأ بها في كنف قاضي القضاة جمال الدين عبد الله بن عليّ التركمانيّ الحنفيّ لصهارة كانت بين أبيه وبين التركمانية وباشر توقيع الحكم مدة واتفق أن أميرًا من أمراء الملك الأشرف شعبان بن حسين يعرف بيونس الرماح مات فادّعى برقوق العثمانيّ أحد الممالك اليلبغاوية أنه ابن عم يونس هذا وأنه يستحق إرث لموته عن غير ولد حضر إلى المدرسة الصالحية بين القصرين حيث يجلس القضاة للحكم بين الناس حتى يثبت ما ادّعاه فلما أراد الله من أسعاد جدّ أوحد الدين لم يقف برقوق على أحد من موقعي الحكم إلا عليه وأخبره بما يريد فبادر إلى توريق سؤال باسم برقوق وانهائه أنه ابن عمّ يونس الرماح وأن عنده بينة تشهد بذلك ودخل بهذا السؤال إلى قاضي القضاة وأنهى العمل حتى ثبت أن برقوق ابن عم يونس يستحق ارثه فلما فرغ من ذلك برقوق إلى أوحد الدين مبلغ دراهم اجرة توريقه كما هي عادة أهل مصر في هذا فامتنع من أخذها وألحف برقوق في سؤاله وهو يمتنع فتقلد له برقوق في سؤاله وهو يمتنع فتقلد له برقوق المنة بذلك واعتقد أمانته وخيره وصار لكثرة ركونه إليه إذا قدم فلاحوا إقطاعه يبعثهم إليه حتى يحاسبهم عما حملوه من الخراج فلما قُتل الملك الأشرف وثارت المماليك وكان من أمرهم ما كان إلى أن تغلّب برقوق وصار من جملة الأمراء واستولى على الاصطبل السلطانيّ في شهر ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وسبعمائة وصار أميرًا خور أقام أوحد الدين موقعًا عنده وما زال أمر برقوق يزداد قوّة حتى انيطت به أمور المملكة كلها فصار أوحد الدين صاحب الحل والعقد وكاتب السرّ بدر الدين محمد بن عليّ بن فضل الله إسمًا لامعنى له إلىأن جلس الأمير برقوق على تخت المملكة في شهر عليّ بن فضل الله إسمًا لا معنى له إلى أن جلس الأمير برقوق على تخت المملكة في شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة فقرّر القاضي أوحد الدين في وظيفة كتابة السرّ عوضًا عن ابن فضل الله وخلع عليه في يوم السبت ثاني عشر شوال من السنة المذكورة فباشر كتابة السرّ على القالب الجائز وضبط الأمور أحسن ضبط وعكف سائر الناس على بابه لتمكنه من سلطانه وكان الأمير يونس الدوادار يرى أنه أكثر الناس من الأمراء تمكينًا على السلطان وجرت العادة بانتماء كاتب السرّ إلى الدوادار فأحب أوحد الدين الإسبتداد على الأمير يونس الدوادار فقال السلطان سرًّا في غيبة يونس: أن السلطان يرسم بكتابة مهمات الدولة وأسرار المملكة إلى البلاد الشامية وغيرها والأمير الدوادار يريد من المملوك أن يطلع على ذلك فلم يقدر المملوك على مخالفته ولا أمكنه إعلامه إلاّ بإذن فانفق السلطان من ذلك وقال: الحذر أن يطلع على شيء من مهمات السلطان أو أسراره. فقال: أخاف منه إن سأل ولم أعلمه. فقال السطلان: ما عليك منه. فرأى أنه قد تمكن حينئذ فأمسك أيامًا. ثم أراد الازدياد من الإستبداد فقال للسلطان سرًّا: قد رسم السلطان أن لا يطّلع أحد على سرّ السلطان ولا يعرف بما يكتب من المهمات وطائفة البريدية كلهم يمشون في خدمة الدوادار فإذا اقتضت آراء السلطان تسفير أحد منهم في مُهم يحتاج المملوك إلى استدعائه من خدمة الأمير الدوادار فإذا التمس مين أن أخبره بالمعنى الذي توجه فيه البريدي لا أقدر على إعلامه بذلك ولا آمن إن كتمته وانصرف. فلما كان من الغد وطلع الأمراء إلى الخدمة على العادة قال السلطان للأمير يونس الدوادار: أرسل البريدية كلهم إلى كاتب السرّ ليمشوا ويركبوا معه فلم يجد بدًّا من إرسالهم وحصل عنده من إرسالهم المقيم المقعد فصار البريدية يركبون نوبًا في خدمة أوحد الدين ويتصرف في أمرو الدولة وحده مع سلطانه فانفر بالكلمة وخضع له الخاص والعام إلاّ أنه نغّص عليه في نفسه ومرض مرضًا طويلًا سقط معه شهوة الطعام بحيث أنه لم يكن يشتهي شيئًا من الغداء وتنوّع له المأكل من بين يديه لكي تميل نفسه إلى شيء منهم ومتى تناول غذاء تقيأه في الحال وما زال على ذلك إلى أن مات عن سبع وثلاثين سنة في يوم السبت ثاني ذي الحجة سنة ست وثمانين وسبعمائة ودفن خارج باب النصر فلم يتأخر أحد من الأمراء والأعيان عن جنازه وكان حَسَنُ السياسة رضي الخلق عاقلًا كثير السكون جيد السيرة جميل الصورة حسن الهيئة عارفًا بأمر دنياه محبًا للمداراة صاحب باطن قليل العلم رحمه الله.
|